أبي حُبًا يحكيه دعائي " تجربة من القلب "

الأب هو حكاية جميلة لا تكفيها السطور ولا الصفحات للتحدث عنها، فوجود الأب نعمة عظيمة وقوة لا يمكن الاستهانة بها أو حتى إنكارها في الحياة، فهو السند والأمن والأمان، هو الظل الذي تستظل به الأسرة من مصائب ومعارك تقلبات الزمان، هو الحماية من عيون الحاقدين والشامتين والمؤذيين، هو القدوة العظيمة التي تجعل البيت قائم على الحب والسعادة والخُلق الطيب، وهو المؤسس الأول لبناء شخصية الأبناء ومساندة الزوجة، الأب هو الحياة.

لذلك من أن المهم أن يعرف ويفهم كل أب قيمته ودوره تجاه أسرته، وكيف يؤثر بوجوده على حياتهم، فقوامته ليست مجرد أنفاق ودوره لا يقتصر على توفير المال لأهل بيته، فهو حجر الأساس بجانب الأم في تربية الأبناء تربية صالحة وسليمة وسوية وإنشاء أسرة وبيت سعيد.


·       هل يؤثر فقدان الأب في حياة الأبناء؟

مهما كنت تظن أنك شخص قوي ولديك من الخبرة ما يكفي لتجاوز الأيام والسنوات، وحتى إن كنت تملك من المال ما يجعلك تعيش ملكًا، لكن ستظل في النهاية من داخلك طفلًا يفتقد ويشتاق ويريد أن يحتضن أباه. 

كنت أبلغ من العمر حوالي 4 أعوام ولكني أتذكر جيدًا يوم وفاته، سمعت صوت البكاء ولا أعلم من أين يأتي، قمت بالبحث لأعرف مصدر الصوت، وفي نهاية المطاف وجدت مالم أكن أتوقعه، علمت أن أبي قد مات لقد ذهب إلى الرفيق الأعلى مبكرًا جدًا، ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله إنا لله وإنا إليه راجعون.

وجدت أمي هي التي تبكي ولكنها كانت صامدة لدرجة غريبة كأن الله أنزل عليها صبر العالم كله في وقت واحد، لدرجة أني لم انتبه في البداية من أين يأتي الصوت وهو بجانبي!

كانت أمي مازالت في عز شبابها لم تتجاوز الـ 28 من عمرها بعد، تركها أبي بعد وفاته وانفض كل من حولها بعد انتهاء فترة العزاء، تركها بـ 4 أطفال، 4 أطفال وأمي لم تتجاوز الـ28 من عمرها، فكيف ستقوم أمي بتربيتنا وهي في مثل هذا العمر الصغير؟ كيف ستتجاوز هذه الصدمة؟ وهل ستقدر على تحمل كل هذه المسئولية لوحدها؟

بالكاد سيكون بجانبها وبجانبنا الأصدقاء والأقارب والأهل، لكن لم يحدث هذا !!!

الصدمة الأولى كانت في اختفاء كل الناس من حولنا، أتذكر جيدًا قبل وفاة أبي لم يكن يخلو بيتنا من العزومات وكان مفتوح لكل صغير وكبير، أين هؤلاء الناس أين ذهبوا؟

لقد اختفوا جميًعا من بعد وفاة أبي، وانكشفت الأقنعة عن الجميع، ولم يكتفوا بإختفائهم من حياتنا، بل قام الكثير منهم بأذيتنا قولًا وفعلًا!!

تحملنا كثير من الأذى منهم ومن غيرهم، لذلك أسميتهم في قاموسي "المنافقين".

لا أريد أن أطيل عليكم ولكن وجود الأب في حياة زوجته وأبنائه عظيم، أعتقد أنه عظيم جدًا فهو المصدر الأول للحماية والأمان، هو السند الذي تستطيع أن تترك كل همومك وأحمالك عليه دون خوف أو قلق، ولكن تخيل أن تحمل أم كل هذا لوحدها، تخيل أن تكون طفلًا وتُخفي كل همومك وأحزانك ومصائبك عن أمك حتى لا تُحملها أكثر مما تحمله هي ولا تراها حزينة!!

منذ هذا الوقت شعرت بوخذة في قلبي، لازمتني طوال حياتي وحتى الكِبر، ومازلت أشعر بها الآن عندما أتذكر وعندما أكتب، ورغم أن أمي لم تقصر في تربيتنا أو رعايتنا طرفة عين، بل أضاعت كل شبابها وحياتها من أجلنا وصبرت واستعانت بالله وحده وحاوطتنا بسور من الحب والدفء والأمان، لكن كان هناك دائمًا جزء مفقود بالنسبة لها ولنا جميعًا وهو "السند" الأمان الذي يعطيه كل أب لأهل بيته.

لم يتركنا الله في أي لحظة وبفضله سبحانه وتعالى ثم بفضل أمي كبرنا في أفضل حال وصورة، والأن تُلقب أمي بالأم المثالية ويضرب بها المثل في كل البيوت كنعم المربية ونعم الأم والأب والأخ والصديق، فلقد كانت تقوم من أجلنا بكل الأدوار حتى نصل إلى ما نحن عليه الآن، هي بالفعل أم مثالية وحتى أصدقائي يقولون لي ذلك بل أحيانًا يقولون يا ليت أمك أمنا نحن، فالحمدلله على نعمة وجودها.

ولكن لا أخفيكم سرًا، ها أنا الآن كبرت وأصبح عمري 28 عام وأشعر أني مازلت طفلة  مازلت أشتاق إلى أبي جدًا وأفتقد وجوده في حياتنا، ومازلت أبكي كثيرًا في مواقف الخذلان والصدمات التي أراها من حولي، فلو كان موجود لكانت الأحوال غير بالتأكيد، أنا حتى الآن لا أعرف ما هو الشعور بأن يكون في حياتي أب ولكن أثق أنه أعظم شعور !!!.

·       نصيحة لكل زوجة وأم وأبن وبنت وأب

هناك الكثير ممكن فقدوا أحبابهم يتمنون لو أن يعود آبائهم ولو للحظة واحدة ليحتضنوهم مرة أخيرة.

فلكل شريك حياة ولكل ابن وبنت لا تستهينوا بقيمة النعم، فوجود الآباء أعظم نعمة لا يمكن أن يعوضها مُغريات الحياة ولا يمكن أن يعوضها الزمان فانتبهوا قبل فوات الأوان.

-        نصيحة لكل زوجة وأم، وجود زوجك نعمة فلا تُبخسيها واشكري الله على وجوده معكم، فحافظي عليه وعلى سره وماله.

-        نصيحة لكل ابن أو بنت وجود الأم والأب لا ينافسهم ولا يتم مقارنتهم بأي شيء في الحياة، فلا تعصوهم ولا تتذمروا من معيشتكم بوجودهم مهما كانت الأحوال.

-        نصيحة لكل أب من فتاة تفتقد أباها، لا بد أن تعلم أن وجودك وقيمتك كبيرة جدًا في حياة زوجتك وأولادك فلا تبخل عليهم بوقتك ومشاعرك، لأن وجودك بجانبهم هو ما سيجعلهم يعبرون كل الحواجز والجسور مهما كانت صعبة، وجودك أمان وسند وحماية لهم فحافظ على مكانتك في قلوبهم وعيونهم.

وأخيرًا، فاسأل الله أن يبارك لي في عمر أمي وأخوتي وأن يبارك لكم في عمر أحبابكم.

ورحمة الله على أبي وعلى كل عزيز غالي فقدناه، واسأل الله أن يجمعنا سويًا في جنات النعيم.