خطوات لتربية طفل اعتمادى بجدارة

لعل من أجل مقاصد الأمومة هى جعل أبنائها"سُعداء" في الحياة، فالأم تُعطي وتمنح من نفسها وطاقتها ومواردها لأطفالها، وهى حين تمنحهم تقصد بذلك إسعادهم وحمايتهم وإدخال السرور عليهم، ولكن على الجانب الآخر حين تُفرط "الأم" في هذه المسألة، وتقوم بحل جميع المشاكل التي تُواجه ابنها، وتعطيه وتساعده وتمنحه، ولا تجعله يتحمل مسئوليته الخاصة فهى تقوم بتربية "الاعتمادية" فيه ولا تساعده على أن يصبح شخص ناضج ومسئول.

 

وسنتحدث في هذا المقال عن احتياجات الأبناء "النفسية" وخاصة بداية من سن المراهقة، وكيف لا تحول "الأم" الطفل في سن المراهقة لشخص ناضج يُعاني من الاعتمادية ولا يستطيع تحمل مسئولية حياته، وكيف تحول الأم "بأفعالها" ابنها كى يصبح شخص اعتمادي؟

كيف تربي"الأم" الاعتمادية في الطفل؟

تربي الأم الاعتمادية في الطفل بطرق عديدة ومتنوعة، ورسائل غير مباشرة تقوم بإيصالها إليه، وعليها الانتباه لأسلوبها مع "طفلها" في هذا الصدد:

-        1- تقوم بتربية الاعتمادية في الطفل حين تكون من نوع"الأم" المتشبثة بطفلها، فلا تسمح له بأن يكون له حياته الخاصة واختياراته في الحياة، فإذا أراد دخول جامعة بعيدة عنها، أو أراد السفر لا تسمح له بذلك، ولا تسمح له بالابتعاد عنها.

-        2- حين تفرط الأم بإعطاء كل شيء لطفلها، وتقوم بحل جميع مشاكله، فعلى سبيل المثال، إذا واجه الطفل مشكلة في المدرسة، فقد تدخل الأم لمكتب مدير المدرسة في غضب شديد وعاصفة كبيرة وتنذر وتتوعد من كان سبب في غضب طفلها، دون النظر إلى إحتمالية أن يكون طفلها مخطيء أو مقصر.

-        3- حين تقوم الأم بمساعدة ابنها البالغ في كل شيء في حياته، بدءًا من "الإنفاق المادي عليه" وهو متزوج، إلى إخراجه من أى ضائقة يمر بها وهو بالغ فيسرع إلى "الأم" فحتمًا سيجد لديها السند والدعم، وماما ستكون حاضرة لجميع مشاكله.

-        4- حين لا تسمح الأم للطفل بأن تكون له حياته الخاصة وقراراته وتحترم تلك الاختيارات والقرارات حتى لو كانت تعترض مع رغبتها، مع التوجيه السليم منها في صغره.

-        5- حين تكون الأم "أما مسيطرة" لا تسمح إلا بتنفيذ قرارتها الخاصة واختياراتها في حياة طفلها.

-        6- حين تهلك الأم نفسها في خدمة طفلها، ولا تعوده تحمل المسئولية تبعًا لسنه، وخدمة نفسه بالتدريج، فلا تجعله يقوم "بغسيل ملابسه" أو "وضع الطعام لنفسه" أو"تنظيف مكان نومه وأكله" أو"ترتيب سريره" أو"وضع ملابسه في مكانها في دولاب الملابس وترتيبها" وبخاصة إذا كان طفل ذكر، فلا تجعله رجلًا مسئولًا.

-        7- حين لا تربيه على الثقة بالنفس، وتنتقد كل فعل وتصرف يقوم به.

-        8- حين تفرط في إعطائه الكثير حينما يكبر، وتُلزم نفسها بترتيب حياته الخاصة، من "توفير مسكن الزوجية له"، و"مساعدته في تجهيز المنزل"....من مالها الخاص، دون السماح له بتحمل مسئولية نفسه أو القيام بشيء في هذا الصدد.

والقائمة تطول في هذا الأمر، ويمكنك عزيزتي اختبار "الكثير والكثير" من الأفعال والتصرفات، التي تقوم بتربية الاعتمادية في طفلك، تحت مسمى "الحب"، ولكن ليس هذا حبًا صحيًا بأى حال من الأحوال، فماذا سيفعل هذا الطفل البالغ حين لا تكون هناك"ماما" لمساعدته ؟، وهذا سر الكثير من ضعف الشخصية والصوت العالي وعدم القدرة على مواجهة ضغوط الحياة وبخاصة عند الرجال.

 

طريق النجاة

إذا  ما هى احتياجات الأبناء "النفسية" بداية من سن المراهقة، كى لا يصبحوا اعتماديين؟

-        الحاجة لرؤية واختبار"العالم الحقيقي الخارجي" والحياة:

يعتبر الانتقال للعالم الحقيقي، أو العالم الخارجي، واحدًا من المظاهر الهامة للبلوغ التي تجهز الشخص لترك المنزل وبناء حياة خاصة به، فتدور سنين المراهقة الأولى حول المنزل بينما سنين المراهقة اللاحقة تبدأ في الدوران أكثر فأكثر حول العالم الخارجي.

ولا يصبح عالم المراهق يدور حول والديه؛ لأن المدرسة والكلية والأصدقاء والأنشطة الخارجية تصبح أكثر أهمية، واكتشاف "العالم الخارجي" يفعل شيئين هامين للمراهق في مرحلة المراهقة المتوسطة والمتأخرة، أولًا تسمح له بمعرفة أن العالم لديه أكثر بكثير  مما يمنحه أكثر مما أراه والداه، ثانيًا يتعلم أنه يستطيع الانخراط والتعامل في العالم دون الإمساك بيدي والديه.

-        الحاجة لزيادة قوة مجموعة الأقران:

بينما يظل المراهق في سنواته الأولى يلعب مع أصدقائه، فإنه في مرحلته اللاحقة سيزداد اعتماده على الأصدقاء في الحصول على الدعم العاطفي والاجتماعي وأيضًا كتأثير قوي للقيم والمعايير، ويتعلم درسًا قويًا"هناك  في الخارج  ناس آخرين أكثر كثيرًا من مجرد ماما وبابا، ولهم آراؤهم وقدرتهم على الحب أيضًا ويمكنني الاعتماد عليهم في الحصول على المعلومات والدعم".

فحتى يتمكن أى منا من أى يصبح عضوًا فاعلًا في المجتمع، يجب أن نتعلم رقصة الاعتماد المتبادل مع الجماعة التي نعيش فيها، فنحن نحتاج كلا منا الآخر، ونحتاج أصدقائنا، ونحتاج تعليم ومعلومات من مصادر غير والدينا.

فحين نكون قادرين على الابتعاد عن الاعتمادية على الأم، نتمكن من تنمية قدرتنا على الاتكال على الآخرين بطريقة أكثر مسئولية والتفاعل الصحي معهم، ونبدأ في إدراك أننا مسئولون عن تلبية احتياجاتنا بدلًا من انتظار أن تتوقعهم أمهاتنا وتعتني بهم لأجلنا.

 

كيف لا تربي الأم الاعتمادية في طفلها؟

-        حين يتعرض طفلك الصغير لمشكلة، لا تسرعي في حل كل مشاكله وتذليل الصعاب له، فلا تتدخلي "بالحل النهائي" للمشكلة ولكن ادرسيها من كل الجوانب ثم ابحثي مع طفلك طرق الحل المناسبة لها، وتأكدي من مشاركته معكي في اختيار الحل.

-        اسمحي لطفلك باختبار عواقب أفعاله، فإذا لم يتناول غداؤه في موعده فلا تلحي عليه بالطلب ومحايلته لكى يأكل، فقط دعيه حتى يختبر نتائج وآلام الجوع ثم يتعلم بعد ذلك تناول طعامه في موعده، وهذا ليس قسوة في المعاملة بقدر ما هو سماح للطفل بالنضج والنمو وتحمل نتائج أفعاله، مما يسمح له بتحمل المسئولية بعد ذلك.

-        قومي بتحميل طفلك مسئوليات صغيرة تبعًا لسنه، وقومي بزيادتها بالتدريج حين يكبر، فقومي بتعويده على" غسل ملابسه"، "وضع الطعام لنفسه"،"ترتيب سريره"، "ترتيب دولاب ملابسه"، فتعليم المسئوليات وفقًا للسن هو ما يربي المسئولية الحقيقية والشخصية السوية، مع عيش الطفل سنه كذلك.

-        قومي بتربية طفلك على الثقة بالنفس، وتشجيعه تشجيع معتدل.

-        حين يصل طفلك لمرحلة المراهقة ، قومي بالسماح له وتشجيعه على الانفصال عنكي، وفي نفس الوقت ضعي حدودًا على رغبته في الارتداد لكى تعتني به وترعيه.

-        حين يبدأ طفلك المراهق في العمل فهو حتمًا سيحتاج للاستقلالية المالية لازدياد مطالبه، فقومي بموازنة الأمر فلا تمنحيه الكثير جدًا لدرجة أنه لا يستطيع تحمل أخلاقيات العمل ولا يضطر للعمل لكسب أى مال،وفي نفس الوقت لا ترفعي الدعم الكامل له في "بداية عمله" لأنه يحتاج للدعم وزيادة المسئولية بالتدريج في كسب الرزق.

انفصال الأم عن طفلها

قد يعني بالنسبة للأم انفصال طفلها عنها، وعدم اعتماده عليها بعد الآن، تخليه عنها وابتعاده وعدم أهميتها في حياته، فتشعر الأم بالجرح الشديد وتكون هذه الخطوة شديدة الصعوبة عليها، فهذه العملية من ترك الأم عاطفيًا هى الخطوة النهائية من نمو وتطور الطفل، وتمكينه من القيام بمتطلبات الحياة.

فالأم تشعر باشباع عظيم حين تكون مصدر طفلها، فهى مصدره الأول في الحياة والتغذية، ثم مصدره للحكمة، والانضباط، والتأديب، والصداقة، والتعليم، والقيم، والعديد من الفضائل الأخرى.

فدورك هنا عزيزتي الأم أخذ جرحك واحتواؤه، واذرفي دموع فرحك على استقلالية طفلك، فجرحك هنا ممتزج بالفرح والحزن في وقت واحد، فأنتى ترين ابنك يبزغ كشخص مستقل نتيجة لتغذيتك وتأديبك وحبك ولا شك أن أجرك الأكبر سوف تحصلين عليه من الله عزوجل.

وعليكي فعل ذلك عزيزتي، حتى لا تعلم الحياة طفلك درسًا قاسيًا، حين لا تكونين هناك للاعتماد عليكي، ويعاني المشاكل التالية.

 

الآثار المترتبة على تربية الطفل على الاعتمادية

مشاكل في العلاقات:

سيتوقع الشخص دائمًا من شريك حياته أن يقوم برعايته ويلعب معه دور "الأم"، ثم يتعارك معه لأنها تضايقه وتحاول السيطرة عليه، فهو يحب أن يتم رعايته، لكنه يحب ألا يسيطر عليه أحد، فتجد أحدهم يقول لزوجته"لا تخبريني بما يجب على عمله"،"حلي عني"،"يا لك من مضايقة".

وفي النهاية سوف يهجر شريكه وإن لم يكن الهجر بالطلاق فقد يكون انفصال عاطفي ونفسي عن الشريك، فهم ينسحبون أو ينفصلون أو يعثرون على اهتمامات خارجية، ويعتبرون الزوجة أم.

-        سيتحاشى العلاقات الحميمة لارتباط البالغين، والبعض منهم سيحب التمسك بحريته جدًا، لدرجة أنهم يشمئزون من فكرة الارتباط وتحمل المسئولية التابع لذلك، والبعض الآخر سيكونوا مكتئبين لأنهم وحدهم ويرغبون في العلاقات.

 

مشاكل عاطفية:

-        معاناة الاكتئاب لعدم قدرته على السيطرة على حياته، وإحساس بالعجز واليأس.

-        يكون الشخص معرضًا لكافة أنواع وأشكال الإدمان؛ لأن الأم دفعت عواقب ما فعله طفلها وأنقذته منه.

-        معاناة من العزلة والقلق ونوبات من الذعر والهلع، ويميلون لأن يكونوا لائمين، ولا يتحملون مسئولية حياتهم، ويحملون شخص آخر المسئولية.