الأم المسيطرة .. كيف تؤثر على أطفالها؟

أحد أكبر أهداف الأمومة بعد منح الحب للطفل، هو مساعدة الطفل على أن يصبح متفردًا كما هو بحق، فلقد خلق الإنسان لكى يكون كائنا اجتماعيا، ولكن في نفس الوقت خلق لكى يكون "متفرد" ولكى ينمي هويته الذاتية"أنا" بطريقة صحية؛ لهذا يعتبر الحفاظ على هوية "الطفل" وتعزيز الارتباط بالآخرين في نفس الوقت، وتعزيز الانفصال عن الأم، من الأهداف الصعبة في عملية الأمومة.

ويعد نمط"الأم المسيطرة" من أكثر الأنماط شيوعًا بين الأمهات، والتي تعرقل نمو هذه "الاحتياجات" لدى طفلها، وهى التي تفرض دائمًا على الطفل"وجهة نظرها واختياراتها"، ولا تسمح له بأن يكون"نفسه" ويقوم باختياراته الخاصة، مما يترتب عليه مضار كثيرة في حياة الشخص عند البلوغ.

كيف تبدأ القصة؟

ما الذي يحدث في واقع الحياة بين الأم"المسيطرة" والطفل؟:

تبدأ القصة حين تنجب الأم أحد أطفالها، فتأخذ في رسم المستقبل الخاص له وطريقة حياته مثل" نوعية التعليم- الزواج- الجامعة- الوظيفة- تحديد نوعية سفرياته وتحركاته.......الخ".

وبالطبع ينبع هذا في معظم الأحيان من حب شديد وحماس صادق لدى الأم، في أن تجعل حياة الطفل أفضل، ثم تصطدم الأم بعد ذلك بمعارضة طفلها لها في الكثير من الأحيان على اختياراتها الخاصة له؛ لأنه يريد أن تكون له اختياراته الخاصة به في الحياة منذ صغره. 

فتشعر حينها الأم بالاحباط وبأن طفلها قد يكون عنيدًا، أو لا يُقدر مجهودها في رعايته وحبها له، وفي بعض الأحيان يرفض الطفل اختيارات الأم،رفضًا قاطعًا فتهتز العلاقة بينهما، وقد تستمر القصة طوال الطريق"الصراع بين الأم والطفل" فينتهي بانتصار أحدهما واستسلام الآخر، إما الأم أو الطفل.

 

وأبرز الأمثلة على ذلك: رغبة الطفل في دراسة معينة حين يكبر، ثم تعترض الأم وتوجهه لدراسة أخرى ترغب بها، فإما أن يثور ويرضخ لرغبة والدته، أو يفرض اختياره الخاص فيزداد شعور الأم بالجرح وعدم التقدير.


وهنا يكون للأم مشكلة مع استقلالية "طفلها" وتقوم بالهجوم عليها.

أساليب شائعة

هناك بعض الأساليب الشائعة التي تهاجم بها الأم رغبة طفلها في "الاستقلالية"وهي كالأتي:

-الاحساس بالذنب:

تستخدم الأم هنا "الاحساس بالذنب" لدى طفلها لتسيطر عليه وتفرض رغباتها، فقد يريد الطفل على سبيل المثال الذهاب مع أصدقائه في رحلة وقد يكون سنه مناسبا، ونراه حين يصارح والدته بذلك تثور وتعترض، وتتهمه بأنه لا يحترم رغباتها، ولا يقضي معها الوقت الكافي وبأنه لا يراعيها ولا يراعي خاطرها، فيقع الطفل في فخ الاحساس بالذنب والصراع النفسي، ويراجع نفسه "هل هو حقًا كما تقول أمه، أم أنها هى من تهول الأمور وتضخمها"، وقد يبقى معه حتى بعد أن يكبر ويذهب بعيدًا عن الأم.

-الهجر وسحب المحبة:

يفقد بعض الأطفال محبة أمهاتهم حين يحاولون الانفصال عنها، وبدل رسائل الاحساس بالذنب، يمنحون رسائل الصمت، وهذه الرسالة في الحقيقة تتحدث بصوت عالي"أنا لا أحبك اذا انفصلت عني".

وقد يعمد بعض الأهالي إلى معاقبة أبنائهم بسحب"الدعم المالي" لهم حينما تتعارض اختيارات الأبناء مع اختياراتهم، وسحب الاهتمام بهم وتشجيعهم، والعديد من الأشياء الخاصة بالرعاية الأبوية، يمكن أن تختلف الطرق، لكن الرسالة واضحة"أنا سأحبك حينما تكون امتداد لي ولرغباتي، ولن أحبك حين لا تكون هكذا.".

-الهجوم والغضب:

حينما تواجه الأم باعتراض طفلها على أحد اختياراتها له، قد تواجه ذلك بالهجوم والغضب والهياج  الشديد على الطفل، فالأم لديها هنا القوة لارسال أحد رسالتين "تفردك محبوب" أو "تفردك عدوي، وأنا سأدمره".

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك رغبة الطفل حين يكبر في الزواج من فتاة معينة، ثم تثور الأم وتقيم الدنيا ولا تقعدها؛ لأن الفتاة لا تعجبها وتصر على تزويجه من فتاة تختارها هى له"بغض النظر عن صلاحية الفتاة اختيار الابن أم لا".

 

ولهذه الأساليب الكثير من الآثار السلبية على الطفل حين يكبرفعلى سبيل المثال:

-        أولًا:مشاكل في العلاقات:

مثل عدم القدرة على قول"لا".. يصبح الشخص ضعيف في العلاقات التي يدخلها، ولا يستطيع قول"لا"، لأنه سيختبر الاحساس بالذنب في كل مرة يحاول ممارسة الحرية في العلاقة.

 

-        السيطرة على الأمور:

يتعلم الشخص أن العلاقات يتم السيطرة عليها، فهو يستخدم الغضب، والذنب، والمخادعة، والتلاعب بالمشاعر، وسحب المحبة، والسخط للسيطرة على الآخرين، ولهذا قد يصاب من يحبونه بالإعياء من سيطرته ويصبحوا ممتعضين في العلاقة.

-        الخوف من الحميمية والالتزام:

يخاف الشخص من الدخول في علاقة طويلة ومستمرة مثل "الزواج" حتى لا يتعرض للاحساس بالسيطرة من الطرف الآخر، مثل سيطرة والدته عليه.

-        اعتمادية تبادلية:

فيها لا يستطيع الشخص وضع حدود في العلاقة، ولا يسمح لمن يحبهم بتحمل مسئولية أفعالهم ومشاكلهم، وبالتالي يحمل على كتفيه للأبد مسئولية شخص آخر، فيتعرض للجرح والأذى النفسي لأنه ينجذب للأشخاص غير المسئولين.

 

ثانيًا:مشاكل في الأداء:

كى يؤدي الشخص في عالم الأهداف والانجازات يحتاج أن يكون مسئولًا، يحتاج لامتلاك حياته، وأهدافه ومواهبه، والنتائج والعواقب، ويثابر أمام المشاكل والعقبات، ويقول"لا" لكل ما يصرف انتباهه ويشتته وهذا كله لا يستطيعه الشخص ممن كانت له"أم مسيطرة".

- عدم النظام:

تجد هذا الشخص غير مرتبا ومنظما في حياته الخاصة حينما يكبر، فقط لأنه تعود أن والدته ستفعل كل شيء من أجله، فيتوقع أن على أحدهم تحمل مسئولية حياته وأن يخططها له دائمًا، وسيكون لديه صعوبة في مناطق تحقيق الأهداف، والهوية والاتجاه والمثابرة حتى النهاية.

-        الهوية الشخصية والمواهب:

لا يمتلك الشخص القدرة على امتلاك المعرفة بما يريد عمله وبما يعجبه، ولا قدراته ومواهبه، باختصار هو "لا يعرف نفسه".

-        تأجيل الإشباع والرضا:

لكى يؤدي الشخص جيدًا في عالم الأعمال، يجب أن يكون لديه القدرة على قول"لا" لأشياء يريدها في التو واللحظة لتحقيق مكافآت أعظم في المستقبل، وهو شيء لا يستطيعه من كانت لديه أم مسيطرة فهو يبحث عن الإشباع الفوري.

-        عدم تحمل المسئولية:

قد تعلم الشخص لأم مسيطرة التخلي عن تحمل عواقب سلوكياته وأفعاله، لأن هناك شخصًا سيتحملها بدلًا منه ويقوم بالأشياء نيابة عنه وهى"ماما" ولم يتعلم أبدًا تحمل مسئولية نفسه، فلا يتعلم تحمل مسئولية غيره حين يكبر. 

ثالثًا: مشاكل عاطفية:

إن الشخص الذي لديه المشاكل المذكورة سابقًا لن يكون سعيدًا في الحياة وشعوره جيدًا وسيشعر بهذه المشكلات في حياته اليومية مثل:  

-        الاكتئاب.

-        الاحساس بالعجز واليأس.

-        مشاكل في الإصابة بأنواع مختلفة من الإدمان، ونقص الارادة والقدرة في السيطرة عليها.

-        الاحساس بالعزلة النفسية والاجتماعية.

-        حالات من القلق ونوبات من الذعر.

-        اللوم"فهو دائمًا يلوم الآخرين على المشاكل التي تحدث له".


المهارات التي تحتاجها الأمهات للحد من "الشخصية المسيطرة"

تحتاج الأمهات هنا للعمل على العديد من المهارات، والأهداف السامية للأمومة بطريقة صحيحة بالنسبة لأطفالها:

 

-        السماح بالاستقلالية عند الطفل وتعزيزها والتوكيد على الارادة، والقصد، والانفصال:

فسوف ستجدين لدى طفلك الرغبة في قول"لا" منذ صغره وفي الحقيقة فإن لا هذه ضرورية لكى يكون الشخص قوى الإرادة حينما يكبر، فحين يعارض الطفل الأم فعليكي عزيزتي السماح له بممارسة استقلاليته الخاصة في بعض الأمور التي لا تضره، ولا تكسري إرادته، ولا تجدي معارضته لكي تحديًا وتشعرين بالإحباط، فهو يحتاج للتعود على قول"لا" حتى يستطيع الوصول لأهدافه بعد ذلك، ويقول لا لأهداف الآخرين الشريرة في المستقبل، ولا تكسري إرادته.

-        السماح بالهوية الشخصية والاختلافات وتعزيزها:

قومي بتعزيز هوية طفلك وتشجيعها وشجعي اهتماماته وآرائه واختياراته الخاصة، وشجعي حريته داخل حدود ومعايير محددة

-        تهذيب الاختيارات والسلوكيات السيئة مع وضع الحدود:

هنا تقومين بتعزيز هوية الطفل وحريته الفردية، ولكن داخل قوانين للعائلة ووضع نتائج وعواقب للسلوك السيء يتحملها الطفل.

ففي هذه الحالة  يجب ألا تكسري الارادة، لكنها تحتاج للتأديب والذي يختلف عن العقاب، الذي له علاقة أكبر بغضب الطرف المتضرر، فالتأديب تعليم حدود وقيم، ثم بعدها فرض نتائج لانتهاك هذه الحدود والقيم، فأنتي هنا تسمحين للطفل بتحمل عواقب أفعاله.

فيتعلم الطفل أنه شخص في العائلة له احترام، ولكن الأشخاص الآخرين لديهم احترام كذلك، فأحيانًا يكون تصرف الطفل مسيء لنفسه وباقي العائلة.وهنا ستحتاج الأم لقول "لا" للطفل في بعض الأحيان، ولا تستجيب لكل طلباته. 

-        إحباط رغبة الطفل في تحاشي الاستقلالية والانفصال:

هنا تقول الأم "لا" للطفل على سبيل المثال حينما لا يريد الذهاب للمدرسة ويتحجج بأية حجة كالمرض ونحوه، فهى تتفهم خوفه من الانفصال وفي نفس الوقت لا تؤيد اعتماديته عليها فتقول له"أعلم أنه مخيفا لكن عليك الذهاب للمدرسة، وحين تعود سنتحدث عن هذا الأمر".

فتتصدى الأم لمحاولات الطفل في التقهقر والانفصال عنها، ولا تستمتع باعتمادية الطفل عليها لأن ذلك يبطل إحساسها بالوحدةـ فهى بذلك تسمح لهم بتحمل مسئوليتهم الخاصة وتحمل مسئولية حياتهم وعواقب أفعالهم، ولا تقوم بالأمور نيابة عنهم.