الأم "الشبح" ..كيف تؤثر على أطفالها؟

ترتبط كلمة الأمومة دائمًا ب"التربية- الرعاية- الارتباط- الثقة" والعديد من المعاني الأخرى التي تؤديها الأم في حياة أطفالها، ولكن أكبر هذه المعاني وأهمها على الإطلاق هو"الارتباط العاطفي" الذي يجب أن يكون بين الأم والطفل، فهذا الارتباط والإشباع العاطفي والحميمية بين الأم والطفل في سنوات الطفل الأولى هام للغاية؛ من أجل النمو النفسي والعاطفي الصحي للطفل في سنوات عمره اللاحقة، ومن أجل قدرته على إعطاء الحب واستقباله من الآخرين، والقدرة على الدخول في علاقات حميمية مُشبعة.عند النضوج.

من هى الأم "الشبح"؟

الأم الشبح هى الأم التي لا تكون متاحة عاطفيًا لأطفالها منذ ولادتهم، هى التي لا يكون هناك تواصل"حميم" بينها وبين أطفالها وعلاقة مشبعة لاحتياجات الطفل النفسية والعاطفية، هى التي لا يشعر معها الأطفال بأى نوع من"المشاعر الدافئة" ولا يشعرون برغبتهم في التواجد معها أو حولها.

هى في حقيقتها أما لا تسبب أى نوع من أنواع الأذى لأطفالها، هى في حقيقتها أما"متباعدة" لكنها غير مؤذية ولا تمتلك مشاكل الأمومة الأخرى من"السيطرة- الأم المطالبة بالمثالية- الأم الهشة- والأم التي تعتبر أطفالها ملكية خاصة لها".

غير أنه في حقيقة الأمر يجدر الإشارة، أن كل مشاكل الأمومة السابقة هذه،سينتج عنها سوء تواصل بين الأم والطفل وستعيق الارتباط الحقيقي الحميم بينهما كذلك، وستكون الأم فيها "أم شبح" أيضًا.

 

بعض الأسباب المحتملة لكون الأم"أمًا شبحًا" لأطفالها

من الأسباب التي قد تعيق التواصل بين الأم وطفلها، وتعيق قدرتها على منحه "المشاعر الدافئة" وتكوين ارتباط حميم بينهما:

-        افتقاد التواصل والتغذية التي احتاجت إليها الأم وهى طفلة.

-        هجرت وجرحت في الماضي ولم تعد قادرة على السماح لنفسها، بالتواصل والارتباط العميق مع أى شخص حتى طفلها.

-        كانت فارغة عاطفيًا.

-        كانت تخاف من "الحميمية" أن تعرف وتُعرف.

-        كانت مكتئبة ولم يكن لديها "الطاقة العاطفية" لتمنحها.

-        كانت تعاني من آلام زوجية وكانت ممزقة.

-        كانت مريضة أو تعاني من المصاعب الأخرى في حياتها.

-        في بعض الحالات قد تكون"الأم أنانية" بحق ولا تعرف شيئًا عن الأمومة الجيدة، لا تعرف سوى احتياجاتها ولا تعرف شيئًا عن احتياجات الآخرين، ولا ترى سوى أن الكون يدور في فلكها هى.

فالطفل يُولد باحتياج أساسي "لحب الناس" والأم أو من يقوم مقامها في "تقديم الرعاية" للطفل في بداية حياته، هى موضوع الحب الأول في حياة الطفل، وهى التي تتبنى قدرات الطفل العاطفية وتنميها، ليصبح الشخص القادر على تكوين علاقة حميمية بحق.

 

احتياجات لا تلبيها الأم الشبح

الإنسان من أجل أن يحيا حياة متوازنة مليئة بالمعنى والحب مع الله والناس يُولد بخمس احتياجات أساسية يجب أن تُلبى من قبل الأم وهى:

-        الاحساس بالأمان:

حين نكون صغارًا في السن ننظر للعالم على كونه"خطيرًا" ونشعر بالوحدة، كما لا يُوجد بداخلنا محبة، بل احتياجات ومشاعر كاسحة، وهذا مؤلم ويمكننا رؤية هذا على وجه أى طفل صغير يحتاج لأن يلتقطه بالغ، أو الطفل المرعوب من شيء في خياله، فالطفل لا يوجد بداخله الإحساس بالأمان بل بالخطر، والأمان يوجد في الأم فقط- أو فيمن يقوم بعملية الأمومة.

وبدون هذا الشخص يبقى الطفل في حالة من الرعب أو القلق، غير قادر على الحب والتعلم؛ لأن انتباه الأم الثابت والمُعتنى والمُتفهم يمنح الطفل مكانًا آمنًا ليتوجه إليه، فهى تُحول العالم الخطير لمكان آمن.

-        التغذية:

إن التغذية السليمة من المتطلبات الأساسية للإنسان، فتغذية الأم"وقودا للنفس"، فبدون تغذية يذبل الإنسان ويموت، فأعراض"الفشل في الازدهار" ونقص التطور السليم الطبيعي عند الطفل، وغيره من مشاكل الطفولة الأخرى تتصل بطريقة مباشرة بنقص التغذية.

-        الثقة الأساسية:

الثقة الأساسية هى قدرة المرء على استثمار نفسه في "علاقة"، وقدرته على وضع ثقته في الآخرين، والسعى إليهم والاعتماد عليهم، والاحتياج إليهم ورؤيتهم كمصدر للأشياء الجيدة؛ حيث أن الثقة تنمي قدرتنا على الاحتياج والاعتماد اللذين يسمحان لنا بالنمو والتطور في العلاقات، فنحن نحتاج أن نحتاج، ونحتاج للشعور بالراحة مع الاعتمادية والتفويض للآخرين أحيانًا.

ولكننا ببساطة لم نُولد"واثقين"، فالثقة تُعلم وتمكننا من السعى نحو الآخرين وإقامة علاقات معهم؛ لذا فإننا نحتاج أولًا أن نختبر العديد من أمثلة استحقاق الثقة والجدارة قبل أن نتمكن من أن نثق في الآخرين، من خلال الأم واعتمادنا عليها وتجاوبها معنا حين نسعى إليها، سنتعلم هذه الثقة.

-        الانتماء والدعوة:

نحتاج كلنا للانتماء لشخص ما أكبر منا، فالانتماء والمحبة جزء أساسي من الكيان البشري، فالعلاقة هى أساس كياننا، ولا يمكننا تقديمها لأنفسنا، فإذا ما شعرنا بالانتماء والتغذية والأمان، فإن نفوسنا تخرج من عزلتها والإحساس بالغربة، وتقودنا وترشدنا لعالم العلاقات.

فالأم من خلال رعايتها ومحبتها لنا، تجعلنا نشعر بأننا مرغوب فينا، الأمر الذي يتحول لاحقًا للاحساس بالقيمة والثقة في العلاقات؛ ولهذا يشعر العديد من الناس أنهم غير محبوبين وغير مرغوب فيهم وليس لهم قيمة، في حين أنه في الواقع يُوجد العديد من الناس يحبونهم ويقدرونهم؛ لأنهم فشلوا في الحصول على أمومة جيدة.

-        شخص نحبه:

لا يأتي النمو العاطفي فقط من استثمار الأم في الطفل بل أيضًا من استثمار الطفل في الأم، ففي الأم يجد الطفل"شخًصًا" يحبه، فهى "موضوع الحب الأول في الحياة"و"العلاقة الأولية" مع كل شيء فيها، فحتى ننمو عاطفيًا وجسديًا وفكريًا واجتماعيًا نحتاج ليس فقط أن "نحب" بل أن"نُحب" أيضًا؛ لذا فإن الحب شفاء من جميع الأمراض النفسية المستعصية.

 

الآثار السلبية لغياب"الأم الشبح" على حياة أطفالها

أولًا: مشاكل في العلاقات:

-        السطحية في العلاقات:

من  كان لديهم أما شبحا يعيشون علاقات سطحية، فهم لا يستطيعون الغوص لأعمق من السطح فيشتكي شركاؤهم من نقص الاشباع في محاولة التواصل.

-        العزلة:

فهؤلاء الناس موجودون في عالم العلاقات لكنهم بعيدون عنه، فهم مبتعدون عن الناس وبينهم مسافات كبيرة، فهم يبقون أنفسهم منفصلين"عاطفيًا" عن عائلاتهم تاركين مسئولية الرعاية العاطفية لباقي أعضاء الأسرة على عاتق شريك حياتهم.

-        الانسحاب:

فالأجزاء الساعية الطبيعية في هؤلاء الناس لا تعمل، وبدل السعى نحو الآخرين في الأوقات الصعبة أو المؤلمة فإنهم ينسحبون داخل نفوسهم، وكثيرًا ما يُؤدي هذا لخيبة أمل من يحبونهم.

-        الشك والعدوانية والعنف:

يستخدم هؤلاء الناس نمط العداء والعدوانية للإبقاء على الناس بعيدين عنهم، فهم يشكون في الآخرين ويهجمون على ويتعاركون مع أى شيء يحاول الاقتراب منهم.

-        الإفراط في تقدير العلاقة:

يبحث هؤلاء الناس عن آخرين مهمين في حياة البلوغ ليملأوا الفراغ الذي تركته داخلهم الأم الشبح، فهم يتوقعون من الصديق أو الحبيب أن يملأ ويسدد كل الاحتياجات التي فشلت الأم في منحها لهم، ولهذا يصابون بخيبة الأمل كثيرًا في العلاقات.

-        العلاقات السلبية:

يدخل هؤلاء الناس في علاقات سلبية نتيجة لاحساسهم بعدم الأمان في بداية حياتهم، فالبداية الآمنة في الحياة مع أم جيدة هو كل ما نحتاج إليه ليؤازرنا أثناء وحدة الانتظار للعلاقة الجيدة في البلوغ

ثانيًا: مشاكل في الأداء:

يفتقد هؤلاء الناس الاحساس بالأمان وبالتالي فهم يخافون من "المخاطرة" والاحساس بالفشل، ويكونوا غير قادرين على تقبل النقد، ويعانون من شعور مدمر بالذنب، وبالنفور من مواهبهم.

ثالثًا: مشاكل روحية:

هؤلاء الناس الذين كانت لديهم مشكلة في الثقة مع أمهاتهم، سيكون لديهم مشكلة نقص الثقة في"الله"، ويزداد خوفهم وإحساسهم بالذنب لدرجة أنهم قد يقررون في النهاية أنهم من أصحاب الجحيم مباشرة.

رابعًا: مشاكل عاطفية:

-        الاكتئاب.

-        شعور بالفراغ الروحي والنفسي.

-        التفكير في وتوقع المشاكل.

-        الإدمان بكافة أشكاله وأنواعه لتعويض نقص الإحساس الداخلي بالفراغ الروحي والنفسي والعاطفي، بداية من إدمان المخدرات وإدمان الجنس والمواد الإباحية مرورًا بإدمان العلاقات المؤذية.

-        اليأس والخلو من المعنى والذي يقود للتفكير في الانتحار والإقدام عليه أحيانًا.

 

ماذا تفعل "الأمهات" للاقتراب العاطفي من أطفالها؟

إليكي عزيزتي بعض المقترحات التي تساعدك على الاحتواء والدعم العاطفي لطفلك منذ بداية حياته: 

-        إن كنتي تعانين من أى من المشاكل السابقة التي تمنع تواصلك الفعال مع طفلك، فحاولي علاجها وتجنبها قدر الإمكان.

-        قومي بالسعى للحصول على الدعم النفسي والمعنوي من الأصدقاء والمقربين منك.

-        تعرفي على لغات حب طفلك وقومي بالتحدث بها معه.

-        إن كنتي قد علمتي بحملك وقدوم طفل جديد لكى، قومي بتهيئة الظروف والامكانيات من حولك قبل ولادته للبقاء بجانبه فترات طويلة في العامين الأولين من حياته، وبخاصة في العام الأول.

-        تعودي على احتضان طفلك منذ أن يكون في مهده، وضميه إلى صدرك ولا تتوقفي عن ذلك حين يكبر.

-        مع نمو طفلك وظهور بعض جوانب"النقص" في شخصيته حاولي تقبل هذه الجوانب، وعدم توجيه "النقد واللوم" له على كل كبيرة وصغيرة.

-        قومي بالتعرف على مميزات وعيوب طفلك، والجوانب الفريدة في شخصيته.

-        ساعديه على تنمية قدراته ومواهبه وإشراكه في أنشطة مفيدة له.

-        حاولي تهيئة الجو الأسري السليم لطفلك، وقومي بالاتفاق مع زوجك على طريقة التربية السليمة.

-        ابتعدي عن المقارنة بينه وبين إخوته.

-        عند قدوم طفل آخر عليه، فحاولي التمهيد للأمر له والتهيئة العاطفية والنفسية له.